الخميس، 25 أكتوبر 2012

الحوار القسري ...


    لا اعرف ما الذي يدفعني للكتابة عن تجربة لم تستمر اكثر من يوم وبضع ساعات في حضرة جهاز الامن والمخابرات الوطني ...على الرغم من انني قضيت اكثر من عقد من الزمان بانتظام في ممارسة العمل السياسي الا انها التجربة الاولى لي على الرغم من ان هذه الفترة شهدت اعتقال الكثير من الاصدقاء لفترات متفاوتة ساعات والبعض ايام والبعض الاخر عدة اشهر خلف القضبان بعيدا عن فصول الدراسة ودفئ البيت وسمر الاصدقاء ...
    ماقبل ليلة الاعتقال كنا نتسامر انا وصديقي او ننفث بعض من همومنا  ,صديقي الذي اغترب الي دولة من دول البترودولار بعدما ألمت به وكسة "التعطيل" سنة ونيف اقول التعطيل لان البطالة ليست خيارا بل هي اعراض لتناقضات نظام اقتصادي يعاظم ارباحه بتوسيعه لدائرة الفقر والحرمان، اضطراب اجتماعي يقوم على الاقصاء ,نظام مترسمل على فتات مركز الراسمالية ..
     بيني وبين صديقي دار  حديث شائق اكتسى الشجون والالم والامل رهابا رهابا توصلنا الي اننا لسنا خونة عهد ولن نكون سنمضي في سلام نصلح بعض مما اتلفه زمان الانقاذ فينا وسنتواصل مع الوطن عبر الشبكة العنكوبتية "مناضلي كيبورد", اعطى كل منا اخاه ظهره ولم ياتي النوم حتى ساعات متاخرة من الفجر ...استيقظ صديقي اعد حقيبته للسفر للحصاحيصا قاصدا والدته ليودعها ويقفل عائدا للسفر هذه المره ...
اما انا فبعدها اختليت بنفسي اقلب النظر مرات ومرات ما العمل ! وكيف نبدأ ؟" اصبحت ذاتي مثقلة بآخرفاستحلنا الي اثنين  " قررت ان استعيد عافيتي النفسية شيئا فشيئا بالابتعاد عن مداولة الصحف اليومية حتى السفر...
    في الصباح تذكرت موعدا مضروبا للقاء بعض الشباب للتفاكر حول آليات مقاومة هذا النظام ...الصباح كان حارا جدا ..ودعت صديقي وعدت الي البيت ..كان البيت حزينا ومكسور الجناح كيف لا وقد شهد صباي وشيخوختي قبل ميعادها وتوقيتها الزمني ...شاخت سنواتنا واستحالت الي قلق يقض المضاجع وبؤس ارتسم في وجوهنا يبلغ عنا انا نحن المطعونون في الظهر, حملة صخرة سيزيف, ضحايا العسف والشظف الفكري وقبح المشروع الحضاري ..
   هممت باعداد قهوة تعينني على استعادة افكاري الحيرى ورتبت جدولا زمنيا للهروب ..شئ ما قفز فجأة في دواخلي ودفعني للتفكير في اتجاه آخر ..الاجتماع ..سيكون هذا الاجتماع وداعا جميلا لهذا المشروع العملاق الذي اضمحل شيئا فشيئا وخلف اسى في دواخلنا ...
   خرجت في تلك الامسية لحضور ذاك "العشاء الاخير" وللحقيقة لا اعرف من كان يهوذا الاسخريوطي  في ذلك الاجتماع ولا يهمني ان اعرف بقدر ما يهمني انه كان حدثا فارقا في حياتي برغم ضآلته ,ربما لان حياتي ذاتها كانت في اوهن فصولها في تلك الفترة ...
   جلست في الاجتماع واجتهدت قدر الامكان ان اخصب هذا اللقاء ببعض مما اكتسبناه في مدرسة العمل السياسي في الجامعة ..كنت ارقب ساعتي في الهاتف الجوال بين الحينة والاخرى فهناك موعد مع صديق  هو الاخر يعيش اوهن فصول حياته ....
   فجأة دخل علينا رجل في الثلاثينيات من العمر ..جال علينا بنظره اثناء السلام ومن ثم سال عن صاحب المنزل ..رد عليه صاحب المنزل بكل ادب اهلا تفضل ..فالجمنا بالقول نحن جهاز الامن والمخابرات الوطني !
     وخرجت من فيهه رائحة كريهة واشباح محملين بالسلاح ..تم اعتقالنا بين ركل والفاظ نابية حتى السيارة البوكس كانت هناك بعض السيارات في الخارج وكذلك نفر من افراد الامن يتطاير الشرر من عيونهم ..
   ولانها ليست بقصة .. اختصر وصلت بنا السيارة الي مبني في مكان ما ليس ببعيد عن المنزل ولكني لم اعرف اين نحن بالضبط لاننا لم نكن معصوبي العيون ولكن كنا اشبه بخراف في قبضة الامن القينا على العربة  بطحونا على بطنها ومن ثم غيروا وضعية الاعتقال ووضعنا رؤوسنا بين افخاذنا وسمعنا صوت المحرك يقطع المسافات بلا رحمه ولا رفق تناوبت علينا الاسئلة التي ليس لها اي معنى والركل والضرب على رؤوسنا ..
    كان عقلي مسرحا لافكار شتى ..هل هي نهاية هذه الكوميديا السوداء ؟ هل انا بين يدي الامن الذي لاحقنا عندما ان كنا في كامل هندامنا النفسي نسبح صبح مساء باشعار النضال ونبعث التفاؤل في غيرنا ؟ هل انا شجاع بالدرجة الكافية لتحمل هذه اللحظات ؟ هل.. للحظات ام ان الامر سيطول ؟ وبعد فترة قصيرة من الاسئلة التي نهشتني نهشا ...استعرضت مسيرة حياتي القصيرة ..كنا نحلم بصدق...ونعمل بتجرد ..ونناضل من اجل القضايا الكبرى " الحرية , العدل الاجتماعي و السلام " ......ثم سرحت بخيالي بعيدا متجاوزا الضرب المتقطع ومكتفيا بالصمت وتجاهل الاسئلة الساذجة ،مررت بكثير من المحطات في حياتي وحياة غيري، رحلوا في شمم وانفة ..كان يجابهون الموت في جلد وثبات ويقين ...ثم اخذت نفسا عميقا فليكن ما يكون ....انا لست نادما البته ...
ومضت قافلة الامن بنا الي ذلك المبنى الفخم الذي بني على ظهور ابناء بلادنا البسطاء ..تم انزلنا بالسياط وجثيت على ركبتي وانا مؤمن باني من صلب هذا البلد وليس الجلاد سوى شبح غريب و ظرف استثنائي سيمحو اثاره الصباح القريب ...
تتابع مسلسل الاهانات والتنكيل شيئا فشيئا وكان بيننا شاب شجاع ..كان يرد الصاع صاعين فعرفت حينها بأني على مقربة من شاب نبيل ..فارس في زمن الرايات المنكسة ، بعد قليل اخذوا في مناداتنا فردا ..فردا ..
 حتى سمعت اسمي ...
اخذني فرد من الامن صوب مكتب فخم ..فتح الباب فاذا برجل في الاربعينيات من العمر  تبادلنا التحية وتفرس كل منا الاخر..لاتشي ملامحه بشئ سوى الغلظة...دعاني للجلوس على اريكة ..تأملت المكتب وحضرني قول احد الخوارج ادخل على الحجاج مقيدا فجال ببصره ارجاء القصر وقال مقتبسا من القرآن الكريم : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين ..
بدأ التحري باسئلة معتادة اسمك ..عمرك السكن ..حتى سالني عن انتمائي السياسي فاجبت اني شيوعي ..توقف فجأة وتأملني حتى تحسست الماركسية  بقضها وقضيضها  ثم اردف قائلا : منصبك ؟ فاصابني الزهول وقلت بشئ من السخرية ..لاتوجد مناصب في الحزب فقاطعني يعني شغال في شنو في الحزب فاجبته مهلا مهلا ..انا شيوعي غير ملتزم تنظيميا في الوقت الحالي ومفرغ  لظروف خاصة منها انني اعد نفسي للسفر ... فسالني مجددا وفي السابق ؟ أجبته بلاتردد عمل في هذي الهيئات الحزبية واخذت بسردها في هدوء ...قاطعني هل انت صادق؟ ...اجبته احسب ذلك والا لما كنت هنا في قبضتكم....
سؤال اثر سؤال حتى بلغ التحري اشده وحضر التحقيق نفر من عتاة الامن ..عرفتهم من اعمارهم وهيئتم المنعمة التي لايبدو عليها انهم من غمار الناس....
كان الضابط يسال وانا اجيب حتى وصلنا الي عقدة الاسئلة وقال لي كنتم تتخططون لاحداث بلبة لاسقاط النظام ؟ اجبته النظام متهالك وساقط لا محاله ولا يهمني سقوطه الان اكثر من الترتيب للبديل حتى لا يضيع السودان من فرط ما غيبتم الاخر فبات بائسا هزيلا لايقوى على ملئ الفراغ ...
قال الضابط الغريب ان الشيوعين لا يجيبون بهذه الطريقة في التحقيق ..قلت له : الشيوعيين شهدت لهم كل الزنازين بالثبات وحتى المشانق اعتلاها قادتهم وكانهم يعتلون المنابر  لمقابلة الجماهير فخلدوا ولا طعن في ذلك ...
قاطعني لم اقصد ذلك اقصد انك تجيبني ويبدو عليك انك لاتخفي شيئا ..اجبته انه لم يعد هناك ما يخفى عليكم ومن نكد ذلك عليكم انكم بتم تعرفون جيدا ان نهايتكم باتت وشيكة ...
قال لي هذا يؤكد انكم اجتمعتم للترتيب للمظاهرات في ال تلاتين من يناير ...
رددت عليه ..لسنا خطرا علي السلطة بقدر رجالها وسياساتهم ... ولاتظنن ان الخطر يكمن هنا بيننا نحن المثقفين والافندية ..اعلم جيدا اننا قد نكون الاقل تأثرا بسياسات النظام من غيرنا كالباعة المتجولين مثلا ...واردفت ولكم في بوعزيزي عبرة ...
فهل كان اخاكم الديكتاتور بن علي يعلم ان نهايته سيشعلها شاب في سيدي بوزيد ..اشعل النار في جسده فاشعلت النار في حقبته بكل صولجانها ورجالات امنها ... وقلت هازئا حتى" قلب لي ظهر المجن وتعكر صفوه" ..بلغة مشروعكم الحضاري .. رب أشعث أغبر ذي  طمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله  لأبره ..وفي عهدكم اصبح جل شعبنا اشعثا اغبرا...
 انتفض ثم استأذن لدقائق ..وقفل عائدا بصحبة احد افراد الامن وقال لي انصرف معه قاطعته بانني تعرضت للضرب وانا اعرف انه ليس منصوصا عليه في قانون الامن على الرغم من انه قانون معيب اذا يسمح لكم باعتقالي لاكثر من شهر دون ان توجه لي اي تهمه وذلك لعمري عسف لم يسبقكم عليه هتلر ! ولكن بعيدا عن اعتوار هذا القانون من عدمه الا انني في امر اخر وهو الضرب ! واردفت بعد ان سكتنا لهنيهة : لا اهدد ولكني لو تعرضت للضرب مجددا سا اصعد هذا الموضوع لابعد مما تتصورا "وكنت اظن بنفسي الظنون ولم اكن ادري اني كما قال المثل الشعبي ..."راجل في يد راجل ذي طيره في يد جهال" !
اجابني بانني لن اتعرض للضرب مجددا ..وان الذي حدث لي عدم انضباط من بعض الافراد ..خرجنا الي باحة المبنى وبدأ الضرب مجددا ..
قضينا ثلاث ساعات واقتادونا جميعا الي مكان الاعتقال ..فاذا بنا في المسجد !
مر الليل بطيئا حينما غادرنا اخر فرد من الامن همس احدهم ماذا قالوا لكم في التحقيق ؟ ولم ينتظر اجابة وقام صوب النافذة وسال مجددا ,اين نحن ؟ مر اليوم واحتضن كثير من المشاهدات الروائية للغاية غلظة بعض الافراد وظرف بعضم ولم اكن ادري هل هي الظروف التي جبرتهم لكي يعملوا بصاصين ..
كان احد الافراد يقول لي في سخرية ارايت اين قادكم هذا الطريق قادكم الينا هنا ..اما كان من الافضل لكم ان تبتعدوا عن هذا الطريق ؟ استنكرت كلامه وسالته هل يعقل ان اكون فاقدا للعقل مثلا او باحثا عن المتاعب انا لست باحثا عن المتاعب انا  وغيري من مرتادي بيوت الذل هذه.. نبحث عن خلاص اهلي واهلك وجميع السودانيين ..هل تصدق انني اكثر تضررا منك ببقاء  هذا النظام ؟ ..ذهب في حال سبيله وجاء اخر ملامحه لاتشي بشئ اطلاقا ..عصي تماما على الاختراق ,اخذ يضربني حتى اشفق علي فرد اخر من افراد الامن فمنعه عني ....
ليلي كان متصلا بالصباح لم يغمض لي جفن وقضيت ليلي كله افكر في حال اسرتي ..هل ياترى عرفوا بانه تم اعتقالي ام لا ؟
اليوم الثاني ....
اخذتنا سيارة حتى وصلت بنا الي القصر الجمهوري ! ثم استدرات ودخلت بنا في مؤخرة القصر وهناك مبنى للامن .. تم انزالنا من البوكسي واوقفونا صف ثم ذات الاسئلة الساذجة والضرب الذي يقصد منه الاهانه اكثر من الايذاء الجسدي ..
ثم اوقفونا على مدى ذلك اليوم ووجوهنا على الحائط او جلوس على الكراسي ووجوهنا على الحائط ...كان الافراد يتجولون بلا هدف وكل فرد منهم يسال ذات الاسئلة ...بدات اشغل نفسي بقصيدة تبدا ب " الافراد كادحين وغلابة ..والضباط ديل امن عصابه"
فجأة ضربني احدهم على ظهري ..قائلا تعال ..اخذني لضابط صغير نوعا ما حين دخلت عليه المكتب نظر الي شزرا وقال : لو كذبت واشار للعصا وكان يرافقه ضابط اخر ..بدين..عتل ..  ام الاخر الذي كان جالسا يرد بين الفينة والاخرى على الهاتف ثم يتحدث بلغة رقيقة ما يلبث ان يغيرها ما ان ينهي المكالمة هذا الضابط كان شخصا معتلا بمعنى الكلمة ...
اخذا يسالاني عن اشياء غريبة علاقة اسامة داؤود بالحزب الشيوعي !! عن بعض الاسماء هل تعرف من هو فلان ؟ كنت اجيبهم بالنفي  ..ثم انتقلنا للضرب .. ثم صرفت ..
 الصلاة ...
المسجد صغير .. وهناك شيخ موظف في الامن للوعظ ! يتحدث بعد الصلاة عن ضرورة ان تفرد الدولة برنامجا لتحفيظ القران كبرامج نجوم الغد.. قلت في سري " حفظة الغد " والافراد تراهم ركعا سجدا  تلهج السنتهم بذكر الله وكانهم لم يضربوا احدا من قبل ، يا لسخف الايدلوجيا حين تلون الاشياء بغير الوانها ! فيصبح القتل جهادا , والتنكيل تمكينا و المسجد معتقلا للامن وقد كان في الجامعة مخزنا للسلاح الابيض !
التحقيق الاخير :
تم استدعائي للتحقيق مرة اخرى ... كان التحقيق هذه المره مختلف الطابع ...لفيف من الضباط ذوي الرتب الرفيعه يبدو ذلك من مستوى فخامة المكتب واثر النعمه على وجوههم ..دخلت عليهم ابتسموا الا نفر قليل منهم.. ثم بادروني بالتحية ..تفضل بالجلوس .. قلت في سري يبدو انها ليلة طويلة في حضرة هذه العصبة اولي البأس ..
كان التحقيق الذي اصر ضباط الامن على ان ياخذ طابع الحوار ، كتمت سخريتي وقلت محدثا نفسي يا  لهذه البلاد التي تفرغ الكلمات من محتواها ..حوار على حد السيف .." حوار قسري"..
تعمق "الحوار القسري" حتى فاجأتهم باجابة انني لا اؤمن الا بالتفكير في الهواء الطلق وقد يبدو ذلك صيدا ثمينا للامن ولكن هذا مبدأ كل من اراد ان يشرك الناس في انتخاب شروط حياتهم ..
والسؤال المعتاد ..هل اجتمعتم للترتيب لاسقاط النظام ؟ صمت لبرهة وتفرست فيهم جميعا حتى اشد انتباهم لما اود قوله,  ثم اجبت ...انت تعيشون على الازمات ..هذا ليس اجتماعا خطيرا كما تزعمون ولكن من مصلحتكم ان تضخموا حجم ما تسمونه بالمؤامرات حتى يصير غطاءا  للصرف البزخي الغير محدود للامن ولهذا الجيش الجرار من الافراد المعينين بالجهاز ... وهذا الذي يدفعكم في بعض الاحيان لخلق حالة من التهجس جرت مجرى الدم في عروقكم واصبح السودان سجن كبير يشرف عليه الاف منكم ..
انتم تقتاتون من وراء الازمات لانها تغدق عليكم بالحوافز والنثريات وتضعكم موضوع القرار السياسي ....
في هذه الاثناء ..دخل علينا ضابط ملتحي يبدو انه مدير هذا الجمع لان الجميع قاموا لتحيته ..
جلس مبتسما صمت الجميع فحياني ..كيفك يا شيخ الطاهر ؟
بدت الدهشة واضحة علي فقد اصبحت شيخا ،شيوعيا ،متآمراً ، كلب و برتبة فريق !
لماذا انت مندهش رايناك خاشعا في الصلاة ..
هل تصلي يا شيخ الطاهر ؟
احيانا.. حينما اكون في محنة ..
وهل انت في محنة ؟
الوطن كله في محنة ...
الست شيوعيا ؟ اجبته ومال هذا وموضوع الصلاة ؟؟
اجابني اجابه ..فوجدت نفسي اقاطعه بالقول ..الدين افيون الشعوب هذه العباره التي تم لوي عنقها  حتى  اصبها شد عضلي.. لتدمغ الشيوعيين بالالحاد ..
لعلمك مقرئ الجمهورية كان شيوعيا ...اندهش من حديثي الا ان اكد له ضابط اخر كان على يساري مقابلا له ..تمعنت في ملامح هذا الضابط الذي اتمنى ان اقابله يوما ما فقد كان وجهه طيبا جدا واقرب للرجل الكرم منه للئيم ...وكان طوال" الحوار  القسري " مبتسما ..ويسال بتهذيب ..
سالني عن رايي في الحركات الشبابية ؟
اجبته ان مسالة الثورات ليست امرا ذا خصوصية بقدر ما انها ظاهرة كونية رافضة لما يجري في العالم من قطبية ومركزية ..
فاذا كان هناك رجل يسكن المريخ ينظر للكرة الارضية كل مائة عام او اكثر ..يراها تلبس ثوبا جديدا من شكل العمران ..طريقة الحياة ..نظم الادارة والحكم ايضا ..
وانا اظن اننا نعيش انقضاء مرحلة المخاض ونستقبل مولودا كونيا جديدا ....
العالم اصبح عصي على التقييد ..مثالي على ذلك فشلكم في تقطيع اوصال حركة الاطباء بالتعتيم الاعلامي عليها ..فاستعاضت بوسيلة انجع واكثر حيوية في امكانياتها على اشراك اكبر قدر من الناس في الحوار والاقتراح ..."صفحتهم على الفيس بوك " وقد كان مشهدا مؤثرا ان ترى الاطباء وهم في التظاهره يستقبلون رسائل على هاتفهم الجواله على راس الدقيقة لدرجة بعيدة من التناغم وحدت حركتهم, ووضعتكم في موقف لايحسد عليه ...
الثورة المعلوماتية وثورة الاتصالات ..من صنع البشر ..وهي بمثابة" بساط سندباد" اذا صح التعبير ...
فماذا ستجدي الرقابة القبلية على الصحف والحقيقة يمكن ان ينقلها بالصوت والصورة هاتف جوال لا يتجاوز سعره ال خمسامائة جنيه !
اثناء حديثي وجدتهم ينصتون ..وكرعوا كاسي مرة واحدة ...
اضفت انتم تعرفون جيدا انها النهاية ..وانه لم يعد ممكنا محاصرة ظاهرهي ليست ظاهرة مركزية ولا تملك الا فضاءا افتراضيا ...
سؤال اخر بلهجة حادة ..وهل انت المكلف من الحزب لمتابعة نشاط المجموعات الشبابية ؟
اجبت وحاولت ان استمر بذات الوتيرة السابقة ..بالنفي ...الحركات الشبابية ليس حركة سياسية ولا ينبغي لها هي حركة احتجاجية ذات مطالب اجتماعية وان بدت سياسية الطابع فالفصل هنا مسالة صعبة ..
تحسين شروط الحياة هي اولى مطالب هذه الحركات وهي تعبر ايضا عن ازمة ثقة بينها وبين الاحزاب التقليدية ..
وحزبكم الشيوعي ؟ ماهو موقعه من هذا الصراع ؟
معلوم للجميع ان الصراع مسالة طبيعية والغير طبيعي هو غيابه ...
ولكن الازمة تكمن في كيفية ادارة الصراع ..انا اعتقد ..وهنا قاطعني احدهم بقوله انت لست في محاضرة ..
رددت عليه.. الاسئلة ليس اسئلة تحقيق ..وانتم قلتم في البدء انه حوار مع علمي انه يفقد اهم اسس الحوار وهو مناخه الحر ..ام هذا فهو اقرب للتحقيق وللتخفيف من الممكن ان نسميه " حوار قسريا " ...
انتهى الحوار في هذه النقطه وذهبنا للصلاة ! كانت الخمس صلوات والتحقيق لحظات للراحه ..على الرغم من ان بعض المكاتب التي تم فيها التحقيق كانت مكانا للضرب والاهانه ..وكانهم عنوا بذلك تشتيت ذهننا ...حتى يتم اصطياد المعلومات اثناء التحقيق الذي يليه ...
عدت بعد الصلاة وتم ايقافي مجددا ووجهي على الحائط ومن ثم جلست على الكرسي ووجهي على الحائط حتى تم استدعائي بعد اربع ساعات تقريبا ..
وانا في الطريق للمكتب استوقفني أحد الضباط واستدعي احد الافراد وكما في الافلام التقطوا صورا لي ...وكنت حينها بادى الارهاق ..يوما سا استعيد هذه الصورة حتى أحكي لاطفالي ..واحدثهم عن زمان كان فيه الناس يساقون لحتفهم كالبهائم ..واتمنى الا يدركوا ما ساقول لاني اتمنى ان ادرك زمنا  تكرم فيه دابة الارض ...ولا يصيبها الهلع ...
دخلت مكتبا اخر ..غير الذي جرى فيه التحقيق ...وجدت فيه ذلك الرجل الملتحي ..دعاني للجلوس واخبرني انه سيتم اطلاق سراحي على ان أجد في موضوع السفر ...حتى اجنب نفسي واسرتي اهوال الاعتقال ...واخبرني انه علي الحضور كل يوم الساعه الثامنة صباحا حتى استكمل التحقيق ..
  الله..الله.. تنفس الليل , خرجت متعطشا لادميتي ,اسرتي ,اصدقائي ..هاتفتني هناء وانا في الطريق الي المنزل..نعم اطلقوا سراحي .. ادمعت عيني وغشيتني ابتسامة.. ... البيت... البيت ..وانا على مدخل البيت وجدت الباب مفتوحا وأخي في الخارج وفي لحظة وصولي توقفت امام المنزل سيارة بها  بعض الاصدقاء ..هكذا احتشد الفرح امامي ...امي وابي ..حينما رأيتهم حبست دموعي .....أبي رجل عظيم قلما يجود بامثاله الزمان, مستقيم حد السيف ....لو كانت الاستقامة اقصر طريق بين الحياة والموت....لمضى الي حتفه مستقيما ..أمي ..ملهمتي والمثقفة التي لطالما كانت سندي في الحياة والمرأة التي خلق حبي للانثى على هيئتها, كانت تتاملني جيدا وتلح بالسؤال هل هناك اي جرح وتتفحص راسي بيديها الطاهره , اجبتها لا ..قد كانت مسالة بسيطة جدا بالمقارنة مع ما يحدث او ما حدث لغيري من السودانيين فلا تقلقي ...هاتفتني خالتي صفية ..لطالما كانت شلوخها رمزا للجمال والكبرياء ..كانت هي الوحيدة التي قالت لي وهي تغالب بكائها  : رااااااااااااجل وتاني يعتقلوك والسجن للرجال" ..نساء شلوخهن هوية ..صدق القدال  
استأذنت الجميع ..استحممت نزل الماء على جسدي بردا وسلاما وانا في الحمام اسمع التبريكات بخروجي من المعتقل واللعنات تنصب على النظام ..اصوات كانت دائما ملئ السمع لم تخفت يوما خوفا من انس او جان ...

بعض التفاصيل مماحدث يوذاك .....
تعقيب من صديقي م. عمرو محمد  صديقي الذي تحتفي به صباحات الخريف والذي هجر قسرا من بلاد انجبتنا على قارعة الطريق نهبا لمن قال عنهم الطيب صالح "من اين اتى هؤلاء " ياصديقي الذي هجر الي بلاد تحرم على المراة قيادة سيارة وتحكمها الملالي والCIA
 لك اشواقي والليالي الجامحه ....
"صديقي الطاهر الطائر كما الفراشات , لك التحايا العطره و انت تشركنا هذا البوح الحميم ... لو تدري كم افتقدك...
لم تدهشني بسالتك لكن ما ادهشني حقا هي صراحتك التي ترقي احيانا لان تكون اقصي درجات التهور .
لكني و علي الرغم من ذلك اعجبت ايما اعجاب بقراءتك الفاحصه و التي نتجت عن تحليل عميق لما يعتور نفوس افراد الامن كونهم ثمار تناقضات اقتصاديه اجتماعيه املتها وحشيه راسماليه القرن الحادي و العشرين في نسختها الانقاذيه و المتسربله برداء الدين و العرق، التركيبه العرقيه ليست سوى غطاء يحمي المصالح الطبقيه للعصبه ذوي الباس الخارجه من احضان الطبقه العربسلاميه التي ارتضت لنفسها النشؤ و التطور في اواسط و شمال السودان ذلك البلد المحزون علي طور السنين..
و علي هذه القاعده المتينه اراك اسست ( لتفاهمك ) مع هؤلاء الشذّاذ النشاذ, لا املك الا ان اقول كم انت مدهش يا صاحب كما لا استطيع ان اخفي فداحه فقدي و افتقادي لصديق مثلك ... كيف لا و شروط راس المال المتعولم قضت ان يبحث كل منا عن ( رزقه ) و لقمه عيشه بعيدا عن الاخر و المحصله حسره كبيره في قلبي علي ضياع اخصب سنوات العمر بعيدا عن اصدقاء بحجم روعتك و جمالك ..
رجاءا و عندما تتملكك سطوه القلم راسلني و لا تبخل علي بمطالعه ما يجود به قلمك ..
اتكاءه اخيره ...
اما انا فاود ان اطمئنك باني و بفضل السوق الحر و شروط السوق الحره استحلت الي ماكينه 20 حصانا تعمل من الثامنه صباحا و حتي التاسعه و النصف مساءا لا لشي الا لمراكمه ارباح شخص واحد يدعي صاحب العمل او (راعي الحلال )كما يحلو لاعراب الخليج مناداته لذلك اعذرني ثم اعذرني ان انقطعت قليلا فوالله مكره اخاك لابطل ...
سلام يا صديق الليالي و الصباحات المشبعه بالود و الرفقه الجميله ...
اخيرا
لست مهزوما ما دمت تقاوم....
مهدي عامل " ....م.
عمرو محمد عظيم

هناك تعليق واحد:

  1. apiece of art. still not in line with the core of story as arresting story where the heroes used to have certain criterias but may be the face-book heroes "Y generation heros" are different hhhh .
    لا اؤمن الا بالتفكير في الهواء الطلق
    keep it up,

    ردحذف